بعد ٢٤ سنة من طرح مشاريع قوانين إيجار مختلفة، إعتمد المجلس النيابي إصدار قانون تصحيح الإيجارات القديمة، والذي نشر في الجريدة الرسمية في تاريخ ٢٦ حزيران ٢٠١٤. منذ العام ١٩٩٢، تم وقف العمل بنظام ضبط الإيجارات للعقود الجديدة، في حين بقي ساري المفعول لكافة العقود المبرمة قبل ذلك التاريخ. أما تحرير الإيجارات القديمة تم ربطه بخطة سكنية شاملة (لم تتحقق) تتيح الوصول الى السكن الملائم بأسعار مقبولة.
أثار صدور مشروع قانون الإيجارات الجديد في العام 2014 تساؤلات عدة، أهمها: هل يعتمد القانون على معايير العدالة الإجتماعية، مقدّماً بالتالي ضمانات في الحق في السكن؟ ما تأثيره على مستقبل المدينة؟ في خدمة مصالح من تم صياغة هذا القانون وإقراره؟
نعتبر، نحن الموقعون أدناه، أن القانون الجديد يعكس ضعفاً في العملية التشريعية ودورها في ضمان العدالة الإجتماعية، حين تم إقراره بمعزل عن رؤية مدينية وإسكانية شاملة، وفي ظل سياسات سكنية قائمة لا تأخذ بعين الإعتبار الحق في الوصول الى السكن بأسعار مقبولة من خلال الإيجار. وهو يخالف الدستور تحديداً حين ينزع الضمانات في السكن من دون توفير ضمانات بديلة.
كما يشكل القانون إنتهاكاً فاضحاً لمفهوم الحق في المدينة على عدة أصعدة. فهو عبارة عن آلية إخلاء جماعي للسكان من المنازل والأحياء التاريخية. تشير إحصائيات العام ٢٠٠٤ إلى أن ما يقارب النصف مليون مواطن يعيشون في شقق خاضعة لنظام الإيجارات في لبنان، العدد الأكبر منهم في العاصمة بيروت. بالرغم من تأثير القانون بشكل مباشر على مئات الآلاف من الناس، فهو لم يعتمد على مسح إحصائي لمعرفة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للمستأجرين، مما يلحق ظلماً مضاعفاً بالفئات الأكثر عرضة، كالمسنين وذوي الإحتياجات الخاصة. كما أن القانون خلق تمييزاً بين سكان المدينة، إذ اعتبر جنسية المستأجر معياراً للحصول على مساعدات.
أما على صعيد المدينة، مع تحرير الإيجارات تصبح الأراضي التي تضم أبنية خاضعة لقانون ضبط الإيجار، وخاصة تلك التي تقع في الأحياء التاريخية لمدينة بيروت، هدفاً للتطوير العقاري. ففي ظل الفورة العقارية وإرتفاع أسعار الأراضي وإنتشار ورش بناء تمزق نسيج الأحياء العمراني والإجتماعي، لم يلحظ القانون أي آلية للحفاظ على تاريخ الأحياء والعلاقات الإجتماعية التي تحويها.
وقد انتقلت ملكية القسم الأكبر من الأراضي التي تضم أبنية خاضعة لقانون ضبط الإيجار، في السنوات التي تلت عام ١٩٩٢، الى ملاكين جدد بأسعار زهيدة، حيث الوضع الحالي لتدني قيمة الإيجار وشروط تحرير الإيجارات كان قائماً. بذلك، تخلّ الشروط الجديدة لتحرير الإيجارات في التوقعات الشرعية التي على أساسها باع المالكون القدامى أملاكهم. ممّا يثير الشك في أن القانون أقرّ، كما العديد من التشريعات والسياسات العامة، لدعم مصالح كبار المطورين على حساب البيئة الحضرية وحاجات معظم سكان المدينة. فالمالكون القدامى، المتضررون الفعليون من تدني قيمة بدل الإيجار أصبحت أعدادهم ضئيلة، الأمر الذي يطرح إمكانية تعويض هؤلاء المالكين.
بناء على ذلك، نطالب المجلس النيابي بسحب القانون وتعديله. نعتبر أن تعديلاً عادلا للقانون يقتضي:
أولاً، العمل على رؤية إسكانية شاملة وإقرار قوانين أخرى تعزز الوصول الى السكن بأسعار معقولة من خلال الإيجار.
ثانياً، إجراء مسح ميداني وفق معايير شفافة وعلمية لمعرفة الوضع الإقتصادي الإجتماعي للمستأجرين القدامى وتحديد مكان إقامتهم، ومشاركة نتائج المسح مع المجتمع المدني.
ثالثاً، تحديد نسبة المالكين القدامى مقارنة بالمالكين الجدد.
رابعاً، صياغة معايير واضحة يعتمد عليها القانون الجديد فيما يتعلق بالحق في السكن، الحق في المدينة، وضمانة «البدل العادل» للمالك.
خامساً، خلق أطر تسعى الى المحافظة على نسيج الأحياء الإجتماعي التاريخي، والتي تشمل إبقاء المستأجر
في بيته أو في الحيّ الذي لطالما سكن فيه واستمد منه سبل عيشه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أجل بلورة توصيات نحو قانون عادل للإيجارات، ندعوكم للمشاركة في الندوة التي ستعقد يوم السبت، الواقع في ١٣ كانون الأول، في فندق الكراون بلازا في شارع الحمرا.
قائمة الموقعين الأوليين
جاد شعبان (الجمعية اللبنانية الإقتصادية)
نزار صاغية (المفكرة القانونية)
كمال حمدان (مؤسسة البحوث والاستشارات)
فواز طرابلسي (كاتب وأستاذ في العلوم السياسية والتاريخ)
منى حرب (أستاذة جامعية في التخطيط المدني / الجامعة الأميركية)
منى فواز (أستاذة جامعية في التخطيط المدني / الجامعة الأميركية)
منى خشن (معمارية ومخططة مدينية)
سيرج يازجي (أستاذ جامعي في التخطيط المدني / جامعة البلمند)
شارل حرب (أستاذ جامعي في علم النفس / الجامعة الأميركية)
سوسن عبد الرحيم (أستاذة جامعية في الجامعة الأميركية)
جورج جدع (صحافي / فنان)
نايلة جعجع (محامية)
محمد زبيب (صحافي)
بول الأشقر (صحافي)
نادين بكداش (باحثة مدينية)
عبير سقسوق (معمارية وباحثة مدينية)
بشار عبد الصمد (معماري)
ماهر أبي سمرا (مخرج سينمائي)
سيلفانا اللقيس (رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين / رئيسة الاقليم العربي للمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الاعاقات)
عصمت عبد الصمد (أمين عام جبهة التحرر العمالي)
سحر منذور (صحافية)
خالد صاغية (صحافي)